كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأجيب بأن هذا الإشكال إنما يرد إذا لم يكن الأمر للتكرار، فأما إذا كان الأمر للتكرار فالمطلوب من الأمة أن يسألوا الله سبحانه وتعالى له صلاة بعد صلاة، كل صلاة منها نظير ما حصل لإبراهيم، فيحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم من الصلوات ما لا يحصى مقداره بالنسبة إلى الصلاة الحاصلة لإبراهيم عليه السلام.
وردّ هذا الجواب بأن التشبيه إنما هو واقع في صلاة الله سبحانه وتعالى عليه، لا في صلاة المصلى عليه، ومعنى هذا الدعاء: اللَّهمّ أعطه نظير ما أعطيت إبراهيم، فالمسئول له صلى الله عليه وسلّم صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم عليه السلام، وكلما تكرر هذا السؤال كان هذا معناه، فيكون كل مصل قد سأل الله سبحانه وتعالى أن يصلي عليه صلاة دون التي يستحقها، وهذا السؤال والأمر به متكرر، فهل هذا إلا تقوية لجانب الإشكال؟
ثم إن التشبيه واقع في أصل الصلاة وأفرادها ولا يعني جوابكم عنه بقضية التكرار شيئا، فإن التكرار لا يجعل جانب المشبه به أقوى من جانب المشبه كما هو مقتضى التشبيه، فلو كان التكرار يجعله كذلك لكان الاعتزار به نافعا، بل التكرار يقتضي زيادة تفضيل المشبه وقوته، فكيف يشبه حينئذ بما هو دونه، فظهر ضعف هذا الجواب.
وقالت طائفة: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليست في آل محمد مثلهم، فإذا طلب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولآله من الصلاة مثل ما لإبراهيم وآله وفيهم الأنبياء حصل لآل محمد من ذلك ما يليق بهم فإنّهم لا يبلغون مراتب الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلّم فتحصل له بذلك من المزية صلى الله عليه وسلّم ما لم يحصل لغيره، وتقدير ذلك: أن تجعل الصلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمد صلى الله عليه وسلّم وآله.
ولا ريب أنه لا يحصل لآله صلى الله عليه وسلّم مثل ما حصل لآل إبراهيم عليه السلام وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم ويبقى سهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع الزيادة المتوفرة التي لم يستحقها آله مختصة به صلى الله عليه وسلّم، فيصير الحاصل له صلى الله عليه وسلّم من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم عليه السلام، وهذا أحسن من كل ما تقدم.
وأحسن منه أن يقال: محمد صلى الله عليه وسلّم من آل إبراهيم بل هو خير آل إبراهيم، كما روي عن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {إِنَّ الله اصْطَفى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ} [3: 33]، قال ابن عباس رضي الله عنه: محمد صلى الله عليه وسلّم من آل إبراهيم عليه السلام، فدخول رسول الله صلى الله عليه وسلّم أولى فيكون قولنا: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم متناولا للصلاة عليه وعلى سائر الأنبياء الذين من ذرية إبراهيم، ثم قد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نصلي عليه وعلى آله خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموما وهو فيهم، فيحصل لآله صلى الله عليه وسلّم ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له صلى الله عليه وسلّم.
وتقدير ذلك: أنه يكون قد صلى عليه خصوصا، وطلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلّم معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له صلى الله عليه وسلّم دونهم، فيطلب له صلى الله عليه وسلّم هذا الأمر العظيم الّذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعا.
وحينئذ تظهر فائدة التشبيه وجريه على أصله، وأن المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله أوفر نصيب منه، صار له صلى الله عليه وسلّم من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم عليه السلام وغيره، وتضاف إلى ذلك ما له من المشبه به من الخصة التي لم تحصل لغيره، فظهر بهذا من فضله صلى الله عليه وسلّم وشرفه على إبراهيم عليه السلام وعلى كل من آله- وفيهم النبيون- ما هو اللائق به، وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته.
واعلم أن الأحاديث الواردة في الصلاة والواردة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كلها صريحة بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبذكر آله، وأما في حق إبراهيم عليه السلام- وهو المشبه به- فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم عليه السلام فقط دون ذكر إبراهيم، أو بذكره عليه السلام دون ذكر آله، ولم يجيء حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم كما تظاهرت على لفظ محمد وآل محمد، وبيانه أن أشهر الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وهذا لفظهم إلا الترمذي فإنه قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم فقط، وكذا في ذكر البركة ولم يذكر الآل، وهي رواية لأبي داود، وفي رواية: «كما صليت على آل إبراهيم» بذكر الآل فقط، و«كما باركت على إبراهيم» بذكره فقط.
وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي: قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد». هذا هو اللفظ المشهور، وقد روي فيه: «كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم» بدون لفظ الآل في الموضعين.
وفي البخاري عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد». وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم». وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر: بكما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم لم يذكر الآل فيهما وفي رواية أخرى: كما صليت على إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم بذكر إبراهيم عليه السلام وحده في الأولى، والآل فقط في الثانية، هذه هي الألفاظ المشهورة في هذه الأحاديث المشهورة، أكثرها بلفظ آل إبراهيم في الموضعين، وفي بعضها بلفظ آل إبراهيم فيهما، وفي بعضها بلفظ إبراهيم في الأول والآل في الثاني، وفي بعضها عكسه.
وأما الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم فرواه البيهقي في سننه من حديث حيي بن السباق عن رجل من بني الحرث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». وهذا إسناد ضعيف.
ورواه الدّارقطنيّ من حديث ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فذكر الحديث وفيه: «اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»، ثم قال: هذا إسناد حسن متصل.
وفي النسائي من حديث موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد»، ولكن رواه هكذا ورواه مقتصرا فيه على ذكر إبراهيم في الموضعين. وقد روي ابن ماجة حديثا موقوفا آخر عن ابن مسعود فيه إبراهيم وآل إبراهيم، قال في السنن: حدثنا الحسين بن بيان، حدثنا زياد بن عبد الله حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن ابن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض، قال: فقالوا له: فعلمنا، قال: قولوا: «اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة، اللَّهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون، اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» وهذا حديث موقوف، وابن أبي فاختة اسمه نوير، قال يونس بن أبي إسحاق: كان رافضيا، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الدار الدّارقطنيّ: متروك.
وعامة الأحاديث التي في الصحاح والسنن كما ذكرنا باقتصار على الآل وإبراهيم في الموضعين، أو الآل في إحداهما وإبراهيم في الأخرى فحيث جاء ذكر إبراهيم وحده في الموضعين فلأنه الأصل في الصلاة المخبر بها وآله تبعا له عليه السلام فيها، فذلك ذكر المتبوع على التابع، واندرج فيه وأغنى عن ذكره، وحيث جاء ذكر آله فقط فلأنه داخل في آله كما تقرر في موضعه، فيكون ذكر آل إبراهيم عليه السلام مغنيا عن ذكره وذكر آله بلفظين، وحيث جاء في أحدهما ذكره عليه السلام فقط وفي الآخر ذكر آله فقط، كان ذلك جمعا بين الأمرين فيكون ذكر المتبوع الّذي هو الأصل، وذكر أتباعه بلفظ يدخل هو فيهم.
وأما ذكر محمد صلى الله عليه وسلّم وذكر آله فقد جاء بالاقتران دون الاقتصار على أحدهما في عامة الأحاديث، فلأن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء بخلاف الصلاة على إبراهيم عليه السلام، فإنّها جاءت في مقام الخبر وذكر الواقع لأن قوله: «اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد» جملة طلبية، وقوله: «كما صليت على آل إبراهيم» جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال كان بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفها، ولهذا شرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها فإنّها دعاء، والله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء، ولهذا تجد كثيرا من أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيها من بسط الألفاظ وذكر كل معنى بصريح لفظه دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه، ما يشهد لذلك كقوله صلى الله عليه وسلّم في حديث علي الّذي رواه مسلم في صحيحه: «اللَّهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخّر، لا إله إلا أنت». ومعلوم أنه لو قيل: اغفر لي كل ما صنعت كان أوجز، ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع وإظهار العبوديّة والافتقار، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلا أحسن أو بلغ من الإيجاز والاختصار.
وكذلك قوله في الحديث الآخر: «اللَّهمّ اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، أوله وآخره». وفي حديث آخر: «اللَّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللَّهمّ اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي». وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية للَّه سبحانه وتعالى وافتقار إليه، وتذلل بين يديه سبحانه وتعالى، فكلما كثّره العبد وطوله، وأعاده وأبدأه، ونوّع جملته، كان ذلك أبلغ في عبوديته، وإظهار فقره، وتذلله وحاجته، فكان ذلك أقرب له من ربه سبحانه وتعالى وأعظم لثوابه.
وهذا بخلاف المخلوق، فإنك كلما كثرت سؤالك إياه وعددت له حوائجك أبرمته وثقلت عليه وهنت في نفسه عنده، وكلما تركت سؤاله كنت أعظم عنده وأحب إليه، والله جل جلاله كلما سألته كنت أقرب إليه وأحب إليه، وكلما ألححت في الدعاء أحبك، ومن لم يسأل الله سبحانه وتعالى يغضب عليه، فاللَّه سبحانه وتعالى يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب، فالمطلوب منه سبحانه وتعالى يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه.
وأما الخبر، فهو خبر عن أمر قد وقع وانقضى لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلم تكن في زيادة اللفظ فيه كبير فائدة، ولاسيما والمقام ليس مقام إيضاح وتفهيم المخاطب ليحسن معه البسط والإطناب، فكان الإيجاز والاختصار فيه أكمل وأحسن، فلهذا جاء فيه بلفظ إبراهيم تارة، وبلفظ آله تارة أخرى، لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر من الوجه الّذي تقدم ذكره، فكان المراد باللفظين واحدا مع الإيجاز والاختصار، بخلاف ما لو قيل: صل على محمد، لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آله، إذ هو طلب ودعاء ينشأ بهذا اللفظ، ليس خبرا عن أمر قد وقع واستقر.
ولو قيل: صلى على آل محمد لكان النبي صلى الله عليه وسلّم إنما يصلي عليه ضمنا في العموم، فقيل: على محمد وعلى آل محمد ليحصل له صلى الله عليه وسلّم بذلك الصلاة عليه بخصوصه، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم بدخوله في آله.
وهنا للناس طريقان في مثل هذا، هل يقال: داخل في آله مع اقترانه بذكره فيكون قد ذكر مرتين: مرة بخصوصه ومرة في اللفظ العام، وعلى هذا فيكون قد صلى عليه مرتين خصوصا وعموما، وهذا على أصل من يقول: أن العام إذا ذكر بعد الخاص كان متناولا له أيضا، ويكون الخاص قد ذكر مرتين، وكذلك في ذكر الخاص بعض العام كقوله تعالى: {من كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ} [2: 98]، وكذلك قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا من النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمن نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ} [33: 7] الآية، والطريق الّذي اختاره إلى ذكره بلفظ الخاص يدل على أنه غير داخل في اللفظ العام، فيكون ذكره بخصوصه مغنيا عن دخوله في العام، وعلى هذه الطريقة فيكون في ذلك فوائد:
الأولى: أنه لما كان صلى الله عليه وسلّم من أشرف النوع العام أفرد صلى الله عليه وسلّم بلفظه يخصه صلى الله عليه وسلّم، فيكون في ذلك تنبيها على اختصاصه صلى الله عليه وسلّم ومزيته على النوع الداخل في اللفظ العام.
الثانية: أنه يكون فيه تنبيه على أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم أصل، وأن الصلاة على آله تبع له، وأنهم إنما نالوا ذلك بتبعيتهم له صلى الله عليه وسلّم.
الثالثة: أن إفراده صلى الله عليه وسلّم بالذكر يرفع عنه توهم التخصيص، وأنه لا يجوز أن يكون مخصوصا من اللفظ العام، بل هو مراد قطعا.
واعلم أن قوله: «و بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم» دعاء يتضمن إعطاء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الخير ما أعطاه الله سبحانه وتعالى لآل إبراهيم مع إدامة ذلك الخير وثبوته له صلى الله عليه وسلّم ومضاعفته وزيادته، فإن هذا هو حقيقة البركة، وقد قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا من الصَّالِحِينَ} [37: 112]، {وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ} [37: 113]، وقال تعالى فيه وفي أهل بيته: {رَحْمَتُ الله وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [11: 73]، وتأمل كيف جاء في القرآن: {وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ} [37: 113]، ولم يذكر إسماعيل، وجاء في التوراة ذكر البركة على إسماعيل ولم يذكر إسحاق، فقال بعد أن ذكر إسماعيل: وأنه سيلد اثنى عشر عظيما ما حكايته سمعتك ها أنا باركته وأيمنته بمادماد أي بمحمد صلى الله عليه وسلّم، فجاء في التوراة ذكر البركة في إسماعيل إيذانا بما حصل لبنيه من الخير والبركة، ولاسيما خاتم بركتهم، وأعظمهم وأجلهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فنبههم سبحانه وتعالى بذلك على ما يكون في بني إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام من البركة العظيمة الموافية على لسان المبرك صلى الله عليه وسلّم.